عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((المرأة كالضِّلَع، إن أقمتَها كسرتَها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عِوجٌ))[1]، وفي رواية أخرى للبخاري كذلك: ((استوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلقْنَ مِن ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصوا بالنِّساء خيرًا))[2].
دخلتُ في يوم من الأيَّام إلى إحدى المكتبات في مدينة وَجْدَة، فرأيت كتابًا جذبني عنوانُه، فاقتنيته لأطلعَ على محتواه، وكنت أظنُّ أنَّه يدرأ الشبهاتِ التي أُثيرتْ حول المرأة، ولكن خيَّب ظنِّي لَمَّا اطلعت على حقيقته البلجاء، فكان حالي معه كحالِ مَن يجلس مع نافخِ الكِير، وجدت منه ريحًا منتِنة، أكاذيب وخزعبلات واتهامات، لم أسمعْ بها في الكتب التي اطَّلعت عليها، وسَلَّط جمَّ غضبِه على أحكام الشريعة، حتى الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يَسلمْ من هذه الاتهامات.
الكتاب تحت عنوان: "الضِّلع الأعوج" بخط كبير، وتحته بخط صغير: "المرأة وهويتها الجنسيَّة الضائعة"؛ لكاتبه: إبراهيم محمود، باحث سوري.
فالكتاب مِن أَلِفِه إلى يائِه اتهاماتٌ لا أساسَ لها من الصحة، ولا تستند إلى دليل منطقي، بل هي حماقاتٌ وأغاليط جاء بها هذا الكاتبُ؛ محاولةً منه للتشكيك في أحكامِ الشريعة، ولتمويه النِّساء وتأليبهنَّ على أزواجهنَّ، فالكتابُ كله حديثٌ عن المرأة وجسدِها وأعضائها، والرجل وفحولته، وهَلمَّ جرًّا من الأكاذيب، فلا يَغرُرْك تقلبُهم في البلاد.
وقد حاولتُ ألاَّ أقتطفَ من أقواله شيئًا؛ لأنَّه كلامٌ بذيء، لا يرقَى إلى مستوى الكتب العِلميَّة، بل كتاب يَصلُح أن يكونَ حطبَ جهنمَ.
أرجعُ إلى شرْح الحديث الذي ذكرتُه في مستهلِّ الشقِّ الثاني من هذا المبحث.
يقول الإمام النوويُّ: "قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المرأةَ خُلِقت من ضِلع، لن تستقيمَ لك على طريقةٍ، فإن استمتعتَ بها استمتعتَ وبها عِوج، وإن ذهبتَ تُقيمها كسرْتَها، وكسرُها طلاقُها))، العوج: ضَبَطه بعضُهم بفتح العين، وضبطه بعضُهم بكسرها، ولعلَّ الفتح أكثر، وضبطه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وآخرون بالكسر، وهو الأرجح على مقتضى ما سننقله عن أهلِ اللُّغة - إن شاء الله تعالى.
قال أهلُ اللُّغة: العَوج بالفتح في كلِّ منتصب، كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرْض أو معاش أو دِين، ويقال: فلان في دِينه عِوج بالكسر، هذا كلام أهل اللغة، قال صاحبُ المطالع: قال أهلُ اللُّغة: العَوج بالفتح في كلِّ شخص، وبالكسر فيما ليس مرئيٍّ، كالرأي والكلام، قال: وانفرد عنهم أبو عمرو الشيبانيُّ فقال: كلاهما بالكسر، ومصدرهما بالفتح. (والضِّلَع) بكسر الضاد، وفتح اللام.
وفيه دليلٌ لِمَا يقوله الفقهاءُ أو بعضهم أنَّ حوَّاء خُلِقت مِن ضِلَع آدم، قال الله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]، وبيَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها خُلِقت من ضِلع، وفي هذا الحديث ملاطفةُ النِّساء، والإحسانُ إليهنَّ، والصبر على عِوج أخلاقهنَّ، واحتمال ضعْف عقولهنَّ، وكراهةِ طلاقهنَّ بلا سبب، وأنَّه لا يطمع باستقامتِها، والله أعلم" [3].
ويقول الإمام الشوكانيُّ - رحمه الله -: "والفائدةُ في تشبيه المرأة بالضِّلع التنبيهُ على أنَّها معوَّجة الأخلاق، لا تستقيم أبدًا، فمن حاول حملَها على الأخلاق المستقيمة أفسدَها، ومَن تركَها على ما هي عليه من الاعوجاج انتفع بها، كما أنَّ الضِّلع المعوج ينكَسِر عندَ إرادة جعلِه مستقيمًا وإزالة اعوجاجه، فإذا تَرَكه الإنسانُ على ما هو عليه انتفعَ به، وأراد بقوله: ((.. وإنَّ أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه))، المبالغة في الاعوجاج، والتأكيد لمعنى الكَسْر بأنَّ تعذُّر الإقامةِ في الجِهة العليا أمْرُه أظهر، وقيل: يُحتمل أن يكونَ ذلك مثلاً لأعلى المرأة؛ لأنَّ أعلاها رأسُها، وفيه لسانُها، وهو الذي ينشأ منه الاعوجاج، وقيل: أعوج هاهنا من باب الصِّفة، لا من باب التفضيل؛ لأنَّ أفعلَ التفضيل لا يُصاغ من الألوان والعيوب [4].
وعِلاوةً على ذلك، فإنَّ الحديث الذي يَذكُر أنَّ المرأة خُلقت مِن ضِلع أعوجَ قد صَدَر على سبيل توصية الرِّجال بالنِّساء خيرًا، ورعايتهنَّ والإغضاء عمَّا قد يقع منهنَّ مِن هَنَات[5]، فطبع المرأة فيه اعوجاجٌ لحكمة إلهيَّة؛ ولذلك وَجَب على الرَّجل أن يحسنَ إليها ويعاشرَها بالمعروف، والحديث كما سبق جاء بتوصية للرِّجال بالإحسان إلى النِّساء، هكذا عَنوَن البخاريُّ أبواب هذا الحديث: باب المداراة مع النِّساء، باب الوصاة بالنساء"، وكما يقال: فقه البخاري في تبويبه.
ففي الحديث إشارةٌ إلى أنَّ في خلق المرأة عوجًا طبيعيًّا، وأنَّ محاولة إصلاحه غيرُ ممكنة، وأنَّه كالضِّلع المعوج المتقوِّس، الذي لا يَقبل التقويم، ومع ذلك فلا بدَّ من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسنِ ما تكون المعاملة، وذلك لا يمنع مِن تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجتْ في أمرٍ من الأمور [6].
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: معنى الضِّلع الأعوج: حينما يقول ذلك فإنَّه لا يذمُّ النساء بهذا، وإنَّما هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحدِّد طبائع النساء، وما اختصهنَّ الله به مِن تفوُّق العواطف على العقل، على العكس من الرَّجل الذي يتفوَّق فيه العقلُ على العواطف، فما زاد في المرأة نقصٌ من الرجل، وما زاد في الرَّجل نقصٌ من المرأة.
ليس العوجُ في الحديث مرادًا به الفساد في طبيعة المرأة؛ لأنَّ عوجَها هذا هو صلاحُها لأداء مهمتها، فالمرأة من وظائفها أن تتعاملَ مع الأطفال، والأطفال في حاجةِ إلى الحنان والانعطاف الشديد، وليسوا في حاجةٍ إلى التعامُل معهم تعاملاً عقليًّا، أو يغلب عليه العقل، بل هم في حاجةٍ إلى تعامُلٍ تغلب فيه العاطفة على العقل، حتى يمكنَ أن يكونَ احتمالُ القَذَر ومشقات السَّهْر والبكاء، والبحث عن راحة الطِّفل بين متاعبه، التي لا يُعرَف لها سببٌ أحيانًا.
ولذلك كان أعوجُ ما في الضِّلَع أعلاه، وأعوج ما في المرأة أعلاها؛ يعني: انعطاف صدرِها على طفلِها، وغلبة عاطفتها على عقلِها.
من هنا أصبح العوجُ صفةَ مدحٍ، وليس صفةَ ذمٍّ للمرأة؛ إذ إنَّ هذا العوج في حقيقته هو استقامةُ المرأة لمهمَّتها [7].
فالمقصودُ بالضِّلع الأعوج إذًا المعنى المجازي، وليس اللفظي، وهذه هي الحقيقة الثابتة التي تناولها حديثُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأسلوب المجازي، والمعروف أنَّ القفص الصدريَّ للإنسان يتكوَّن مِن ضلوع معوجة إلى حدٍّ ما، والصواب بقاؤها على عِوجها، ولن تجدَ طبيبًا جرَّاحًا يجري عملية تجميلٍ لتقويم اعوجاجها.
وبناء على هذا الوضع الطبيعي - المعروف مِن قِبَل الجميع - لجزء من جَسدِ الإنسان شبَّه به الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وضْعَ المرأة، وأَمَرَنا بالتعامل مع النِّساء بما يُلائِم طبائعهنَّ، والتصرُّف معهنَّ على أساس أنهنَّ الجنس الناعم، وعاطفيات أكثرَ من الرَّجل، وقد خلقهنَّ الله كذلك بمشيئته لدواعٍ خاصَّة، ممَّا يتوجَّب على الرجال مراعاة الرِّفق في التعامل مع النِّساء دائمًا، وإبلاغهنَّ بأمرٍ ما بالرِّفْق والأسلوب الجميل.
وإن كنتَ قاسيًا في تعاملك مع المرأة، فهي لن تتحمَّلَ ذلك بوضعِها النفسيِّ والعضوي، وستنكسر مشاعرها كما ينكسر الضِّلع لدَى محاولة تقويمها[8]، فالحديث إذًا يؤكِّد، ويوصي بالرِّفْق والرحمة في معاملة النِّساء، فكيف يَدَّعي دُعاةُ التحرُّر أنَّه ينقص من مكانة المرأة وشخصيتها؟!
ولو تأمَّلْنا عاطفةَ المرأة، وحنانها على أطفالها، وأردْنا أن نرسمَ في أذهاننا صورةَ المرأة الأمِّ مع أطفالها، لرسمْنا امرأةً منحنية عليهم، مائلة برأسها فوقَهم، فلا تجتمعُ استقامةُ الجذع مع حَدَب المرأة وعطفِها، فالأمُّ إما تُرضِع طفلها أو تحضنه وتحميه، أو تُنظِّفه وتلبسه، وفي جميع هذه الحالات لا تكون إلاَّ منحنية [9].
فاعوجاجُ الضِّلَع إذًا فيه حمايةٌ لقلْب الرجل، فكأنَّما المرأة لتحمي الرجل، وتوفِّر له الاستقرارَ والطُّمأنينة والرِّضا، الأمور التي تَكفُل لقلْب الرجل عدم الاضطراب، ومِن ثَمَّ السلامة والعافية [10].
ورحَّبتِ النِّساءُ والأمهات بهذا المفهوم واعتبرنَه وصفًا لطبيعتهنَّ، وتوصيةً للرِّجال بالإحسان إليهنَّ والرِّفق بهنَّ، ولم يعبأنَ بالشبهات التي أُثيرتْ حولَ الحديث، واعتبرنَ ذلك أشواكًا يزرعها أعداءُ الإسلام في طريق مَن يطلب السعادةَ الأبدية في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب النكاح، باب المداراة مع النساء، وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما المرأة كالضلع))، (ح: 5184).
[2] المصدر نفسه، باب الوصاة بالنساء، (ح: 5186)، صحيح مسلم، كتاب الرضاع باب الوصية بالنساء، (ح: 1468).
[3] "صحيح مسلم بشرح النووي" (5/281).
[4] "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأبرار"؛ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (6/244).
[5] "المرأة في القرآن والسنة مركزها في الدولة والمجتمع وحياتها الزوجية المتنوعة وواجباتها وحقوقها وآدابها"؛ محمد عزة دروزة، (ص: 47).
[6] "فقه السنة"؛ السيد سابق، (ص: 529).
[7] "المرأة المسلمة والدعوة إلى الله"؛ أشرف عليه واعتنى به: أحمد الزعبي، (ص: 26).
[8] "المرأة بين شريعة الإسلام والحضارة الغربية"؛ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، (ص: 172 – 173).
[9] "رسالة إلى حواء: اعترافات نوال السعداوي"؛ محمد رشيد العويد، (ص: 99).
[10] "رسالة إلى حواء: اعترافات نوال السعداوي"؛ محمد رشيد العويد، (ص: 99).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/7684/#ixzz1ykCPReL7
دخلتُ في يوم من الأيَّام إلى إحدى المكتبات في مدينة وَجْدَة، فرأيت كتابًا جذبني عنوانُه، فاقتنيته لأطلعَ على محتواه، وكنت أظنُّ أنَّه يدرأ الشبهاتِ التي أُثيرتْ حول المرأة، ولكن خيَّب ظنِّي لَمَّا اطلعت على حقيقته البلجاء، فكان حالي معه كحالِ مَن يجلس مع نافخِ الكِير، وجدت منه ريحًا منتِنة، أكاذيب وخزعبلات واتهامات، لم أسمعْ بها في الكتب التي اطَّلعت عليها، وسَلَّط جمَّ غضبِه على أحكام الشريعة، حتى الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يَسلمْ من هذه الاتهامات.
الكتاب تحت عنوان: "الضِّلع الأعوج" بخط كبير، وتحته بخط صغير: "المرأة وهويتها الجنسيَّة الضائعة"؛ لكاتبه: إبراهيم محمود، باحث سوري.
فالكتاب مِن أَلِفِه إلى يائِه اتهاماتٌ لا أساسَ لها من الصحة، ولا تستند إلى دليل منطقي، بل هي حماقاتٌ وأغاليط جاء بها هذا الكاتبُ؛ محاولةً منه للتشكيك في أحكامِ الشريعة، ولتمويه النِّساء وتأليبهنَّ على أزواجهنَّ، فالكتابُ كله حديثٌ عن المرأة وجسدِها وأعضائها، والرجل وفحولته، وهَلمَّ جرًّا من الأكاذيب، فلا يَغرُرْك تقلبُهم في البلاد.
وقد حاولتُ ألاَّ أقتطفَ من أقواله شيئًا؛ لأنَّه كلامٌ بذيء، لا يرقَى إلى مستوى الكتب العِلميَّة، بل كتاب يَصلُح أن يكونَ حطبَ جهنمَ.
أرجعُ إلى شرْح الحديث الذي ذكرتُه في مستهلِّ الشقِّ الثاني من هذا المبحث.
يقول الإمام النوويُّ: "قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المرأةَ خُلِقت من ضِلع، لن تستقيمَ لك على طريقةٍ، فإن استمتعتَ بها استمتعتَ وبها عِوج، وإن ذهبتَ تُقيمها كسرْتَها، وكسرُها طلاقُها))، العوج: ضَبَطه بعضُهم بفتح العين، وضبطه بعضُهم بكسرها، ولعلَّ الفتح أكثر، وضبطه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وآخرون بالكسر، وهو الأرجح على مقتضى ما سننقله عن أهلِ اللُّغة - إن شاء الله تعالى.
قال أهلُ اللُّغة: العَوج بالفتح في كلِّ منتصب، كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرْض أو معاش أو دِين، ويقال: فلان في دِينه عِوج بالكسر، هذا كلام أهل اللغة، قال صاحبُ المطالع: قال أهلُ اللُّغة: العَوج بالفتح في كلِّ شخص، وبالكسر فيما ليس مرئيٍّ، كالرأي والكلام، قال: وانفرد عنهم أبو عمرو الشيبانيُّ فقال: كلاهما بالكسر، ومصدرهما بالفتح. (والضِّلَع) بكسر الضاد، وفتح اللام.
وفيه دليلٌ لِمَا يقوله الفقهاءُ أو بعضهم أنَّ حوَّاء خُلِقت مِن ضِلَع آدم، قال الله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]، وبيَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها خُلِقت من ضِلع، وفي هذا الحديث ملاطفةُ النِّساء، والإحسانُ إليهنَّ، والصبر على عِوج أخلاقهنَّ، واحتمال ضعْف عقولهنَّ، وكراهةِ طلاقهنَّ بلا سبب، وأنَّه لا يطمع باستقامتِها، والله أعلم" [3].
ويقول الإمام الشوكانيُّ - رحمه الله -: "والفائدةُ في تشبيه المرأة بالضِّلع التنبيهُ على أنَّها معوَّجة الأخلاق، لا تستقيم أبدًا، فمن حاول حملَها على الأخلاق المستقيمة أفسدَها، ومَن تركَها على ما هي عليه من الاعوجاج انتفع بها، كما أنَّ الضِّلع المعوج ينكَسِر عندَ إرادة جعلِه مستقيمًا وإزالة اعوجاجه، فإذا تَرَكه الإنسانُ على ما هو عليه انتفعَ به، وأراد بقوله: ((.. وإنَّ أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه))، المبالغة في الاعوجاج، والتأكيد لمعنى الكَسْر بأنَّ تعذُّر الإقامةِ في الجِهة العليا أمْرُه أظهر، وقيل: يُحتمل أن يكونَ ذلك مثلاً لأعلى المرأة؛ لأنَّ أعلاها رأسُها، وفيه لسانُها، وهو الذي ينشأ منه الاعوجاج، وقيل: أعوج هاهنا من باب الصِّفة، لا من باب التفضيل؛ لأنَّ أفعلَ التفضيل لا يُصاغ من الألوان والعيوب [4].
وعِلاوةً على ذلك، فإنَّ الحديث الذي يَذكُر أنَّ المرأة خُلقت مِن ضِلع أعوجَ قد صَدَر على سبيل توصية الرِّجال بالنِّساء خيرًا، ورعايتهنَّ والإغضاء عمَّا قد يقع منهنَّ مِن هَنَات[5]، فطبع المرأة فيه اعوجاجٌ لحكمة إلهيَّة؛ ولذلك وَجَب على الرَّجل أن يحسنَ إليها ويعاشرَها بالمعروف، والحديث كما سبق جاء بتوصية للرِّجال بالإحسان إلى النِّساء، هكذا عَنوَن البخاريُّ أبواب هذا الحديث: باب المداراة مع النِّساء، باب الوصاة بالنساء"، وكما يقال: فقه البخاري في تبويبه.
ففي الحديث إشارةٌ إلى أنَّ في خلق المرأة عوجًا طبيعيًّا، وأنَّ محاولة إصلاحه غيرُ ممكنة، وأنَّه كالضِّلع المعوج المتقوِّس، الذي لا يَقبل التقويم، ومع ذلك فلا بدَّ من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسنِ ما تكون المعاملة، وذلك لا يمنع مِن تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجتْ في أمرٍ من الأمور [6].
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: معنى الضِّلع الأعوج: حينما يقول ذلك فإنَّه لا يذمُّ النساء بهذا، وإنَّما هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحدِّد طبائع النساء، وما اختصهنَّ الله به مِن تفوُّق العواطف على العقل، على العكس من الرَّجل الذي يتفوَّق فيه العقلُ على العواطف، فما زاد في المرأة نقصٌ من الرجل، وما زاد في الرَّجل نقصٌ من المرأة.
ليس العوجُ في الحديث مرادًا به الفساد في طبيعة المرأة؛ لأنَّ عوجَها هذا هو صلاحُها لأداء مهمتها، فالمرأة من وظائفها أن تتعاملَ مع الأطفال، والأطفال في حاجةِ إلى الحنان والانعطاف الشديد، وليسوا في حاجةٍ إلى التعامُل معهم تعاملاً عقليًّا، أو يغلب عليه العقل، بل هم في حاجةٍ إلى تعامُلٍ تغلب فيه العاطفة على العقل، حتى يمكنَ أن يكونَ احتمالُ القَذَر ومشقات السَّهْر والبكاء، والبحث عن راحة الطِّفل بين متاعبه، التي لا يُعرَف لها سببٌ أحيانًا.
ولذلك كان أعوجُ ما في الضِّلَع أعلاه، وأعوج ما في المرأة أعلاها؛ يعني: انعطاف صدرِها على طفلِها، وغلبة عاطفتها على عقلِها.
من هنا أصبح العوجُ صفةَ مدحٍ، وليس صفةَ ذمٍّ للمرأة؛ إذ إنَّ هذا العوج في حقيقته هو استقامةُ المرأة لمهمَّتها [7].
فالمقصودُ بالضِّلع الأعوج إذًا المعنى المجازي، وليس اللفظي، وهذه هي الحقيقة الثابتة التي تناولها حديثُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأسلوب المجازي، والمعروف أنَّ القفص الصدريَّ للإنسان يتكوَّن مِن ضلوع معوجة إلى حدٍّ ما، والصواب بقاؤها على عِوجها، ولن تجدَ طبيبًا جرَّاحًا يجري عملية تجميلٍ لتقويم اعوجاجها.
وبناء على هذا الوضع الطبيعي - المعروف مِن قِبَل الجميع - لجزء من جَسدِ الإنسان شبَّه به الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وضْعَ المرأة، وأَمَرَنا بالتعامل مع النِّساء بما يُلائِم طبائعهنَّ، والتصرُّف معهنَّ على أساس أنهنَّ الجنس الناعم، وعاطفيات أكثرَ من الرَّجل، وقد خلقهنَّ الله كذلك بمشيئته لدواعٍ خاصَّة، ممَّا يتوجَّب على الرجال مراعاة الرِّفق في التعامل مع النِّساء دائمًا، وإبلاغهنَّ بأمرٍ ما بالرِّفْق والأسلوب الجميل.
وإن كنتَ قاسيًا في تعاملك مع المرأة، فهي لن تتحمَّلَ ذلك بوضعِها النفسيِّ والعضوي، وستنكسر مشاعرها كما ينكسر الضِّلع لدَى محاولة تقويمها[8]، فالحديث إذًا يؤكِّد، ويوصي بالرِّفْق والرحمة في معاملة النِّساء، فكيف يَدَّعي دُعاةُ التحرُّر أنَّه ينقص من مكانة المرأة وشخصيتها؟!
ولو تأمَّلْنا عاطفةَ المرأة، وحنانها على أطفالها، وأردْنا أن نرسمَ في أذهاننا صورةَ المرأة الأمِّ مع أطفالها، لرسمْنا امرأةً منحنية عليهم، مائلة برأسها فوقَهم، فلا تجتمعُ استقامةُ الجذع مع حَدَب المرأة وعطفِها، فالأمُّ إما تُرضِع طفلها أو تحضنه وتحميه، أو تُنظِّفه وتلبسه، وفي جميع هذه الحالات لا تكون إلاَّ منحنية [9].
فاعوجاجُ الضِّلَع إذًا فيه حمايةٌ لقلْب الرجل، فكأنَّما المرأة لتحمي الرجل، وتوفِّر له الاستقرارَ والطُّمأنينة والرِّضا، الأمور التي تَكفُل لقلْب الرجل عدم الاضطراب، ومِن ثَمَّ السلامة والعافية [10].
ورحَّبتِ النِّساءُ والأمهات بهذا المفهوم واعتبرنَه وصفًا لطبيعتهنَّ، وتوصيةً للرِّجال بالإحسان إليهنَّ والرِّفق بهنَّ، ولم يعبأنَ بالشبهات التي أُثيرتْ حولَ الحديث، واعتبرنَ ذلك أشواكًا يزرعها أعداءُ الإسلام في طريق مَن يطلب السعادةَ الأبدية في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب النكاح، باب المداراة مع النساء، وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما المرأة كالضلع))، (ح: 5184).
[2] المصدر نفسه، باب الوصاة بالنساء، (ح: 5186)، صحيح مسلم، كتاب الرضاع باب الوصية بالنساء، (ح: 1468).
[3] "صحيح مسلم بشرح النووي" (5/281).
[4] "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأبرار"؛ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، (6/244).
[5] "المرأة في القرآن والسنة مركزها في الدولة والمجتمع وحياتها الزوجية المتنوعة وواجباتها وحقوقها وآدابها"؛ محمد عزة دروزة، (ص: 47).
[6] "فقه السنة"؛ السيد سابق، (ص: 529).
[7] "المرأة المسلمة والدعوة إلى الله"؛ أشرف عليه واعتنى به: أحمد الزعبي، (ص: 26).
[8] "المرأة بين شريعة الإسلام والحضارة الغربية"؛ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، (ص: 172 – 173).
[9] "رسالة إلى حواء: اعترافات نوال السعداوي"؛ محمد رشيد العويد، (ص: 99).
[10] "رسالة إلى حواء: اعترافات نوال السعداوي"؛ محمد رشيد العويد، (ص: 99).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/7684/#ixzz1ykCPReL7
0 إضافة تعليق:
إرسال تعليق